فصل: القسم الثاني‏:‏ ممّا يحتاج فيه إلى تبيين المنهجية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهجية في قراءة كتب العلم **


 القسم الثاني‏:‏ ممّا يحتاج فيه إلى تبيين المنهجية

التفصيلات بالنسبة للفنون، يعني كيف نقرأ كتب التفسير، كيف نقرأ كتب العقيدة، كيف نقرأ كتب الفقه، كيف نقرأ كتب الحديث إلى آخره، تلك ضوابط عامة، ونأتي الآن إلى ضوابط خاصة لكل فن من الفنون‏.‏

نبتدئ بالتفسير لأنّه شرح كلام الله جلّ وعلا، وفَسْرُه، وبيان تأويله، التفسير لا شك أنّه من العلوم المهمة بل هو أصل العلوم، لأنه فقهُ القرآن والله جلّ وعلا قال لعباده‏:‏ ‏{‏أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 24‏]‏، ‏{‏أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 82‏]‏، ‏{‏كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 29‏]‏‏.‏ والآيات في الأمر بالتدبر متنوعة، التفسير كتبه منها المختصر ومنها المطول لكن كيف يترقى طالب العلم في فهم التفسير، كيف يقرأ كتبه منهم من يقرأ المطولات من كتب التفسير دائما وهذا ينطبق عليه ما ذكرناه قبل ذلك‏.‏

المنهجية العامة لتحقيق هذا العلم، أنْ ترتب القراءة فيه على هذه المراتب‏:‏

أما

 المرتبة الأولى‏:‏ فهي معرفة الوجوه والنظائر في التفسير

فالتفسير بيان لمعاني القرآن، القرآن ثمَّ فيه كلمات كثيرة تكررت في السور فقد تكون الكلمة لها معنى في سورة البقرة، والمعنى نفسه في سورة آل عمران وتمشي إلى آخر المصحف، وهذه ما تسمى بالكلمات ذات المعنى الواحد، وهناك كلمات لا، الكلمة واحدة ولها عدة معاني في القرآن، وهي التي تسمى الوجوه والنظائر أو الأسماء المتواطئة والمُشْتَرَكَة، معرفة المفردات هذه مهمة، ومعرفة المفردات تكون بقراءة كتب الوجوه والنظائر، وكتب مفردات القرآن، أما الوجوه والنظائر فمن أمثَلها كتاب ابن الجوزي رحمه الله‏:‏ ‏(‏الوجوه والنظائر‏)‏ وهو من الكتب المفيدة في هذا الباب، يقول لك مثلا‏:‏ كلمة ‏(‏السماء‏)‏ جاءت في القرآن على معنيين، ‏(‏الأرض‏)‏، جاءت في القرآن على ثلاثة معانٍ، ‏(‏الدابة‏)‏ جاءت في القرآن على كذا معنى، ويقدم قبل هذا بمقدمة يبين لك فيها الأصل العام لمعنى هذه الكلمة‏.‏

الخُطوة الأولى إذًا في قراءة التفسير أنْ تطلب معنى الكلمات التي يكثر ورودها في القرآن لأنّك إذا ضبطت هذه الكلمات فإنها تتكرر في التفسير فتريح قلبك وعقلك من دقة النظر والحفظ حين قراءة كتب التفسير، وتروح تهتم بشيء آخر، وكذلك مفردات القرآن، ومن أمثلها على غلطٍ عنده في الاعتقاد، وانتمائه إلى مذهب المتكلمين، كتاب ‏(‏مفردات القرآن‏)‏ للراغب الأصفهاني، وهو من أمثل الكتب في معرفة معاني المفردات‏.‏

 المرتبة الثانية‏:‏ في قراءة كتب التفسير

أنْ ترجع في التفسير إلى اشتقاق الكلمات يعني أنْ تضبط الكلمة هذه من أين اشتُقَّت في اللغة، وتبحثها بحثًا لُغَويا لأنّ بحث الكلمات بحثا لغويا، يقوي الملكة وما يحفظ والمحفوظ في علم التفسير‏.‏

 المرتبة الثالثة‏:‏ أنْ تنظر إلى كتب التفسير

وكتب التفسير كما هو معلوم منقسمة إلى مدرستين‏:‏

 مدرسة التفسير بالأثر

 مدرسة التفسير بالرأي

ومدرسة التفسير بالرأي أيضا لها عدة أقسام منها ما هو من ثوابت الرأي المحمود، يعني الاجتهاد والاستنباط، المقبول، الذي له أُسُسه، المقبولة شرعا، ومنها ما فسر القرآن برأي مجرد يعني بغير حجة، إما في الاعتقاد أو في غيره‏.‏

فكتب التفسير إذًا على قسمين كتب التفسير بالأثر وكتب التفسير بالرأي، كتب التفسير بالأثر، نعني بها الكتب التي تمحظت في نقل الآثار، فيأتي في التفسير هذه فسرها ابن عباس كذا وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير مثلا، وابن مسعود وعلقمة إلى آخر ذلك، به قال فلان وفلان وفلان يعني نقل أقوال السلف في التفسير تسمى التفسير بالمأثور، من المهم الطالب العلم، قبل أنْ يقرأ في كتب التفسير بالرأي المحمود، مثل تفسير القرطبي، أو تفسير الألوسي أو تفسير كذا وكذا من الكتب، سواء كانت من مدرسة التفاسير الفقهية أو الموسوعية، قبل أنْ يقرأها لابدّ أنْ يطالع قول السلف في التفسير لمَ‏؟‏

لأنّه من المتقرر عند أهل العلم بعامة أنّه لا يجوز أنْ يعتقد أنّ صوابا في مسألة من مسائل التفسير يحجب عن الصحابة والتابعين، ويُدْرِكُ هذا الصواب من بعدهم؛ لأنّهم هم الذين نزل عليهم التنزيل، أعني الصحابة، فنقوله إلى من بعدهم، فكل تفسير يضاد، ـ وألحظ أنني أقول يضاد، ولا أقول يخالف ـ تفسير السلف فإنه قطعًا غلط؛ لأنّه لا يجوز أنْ يُعتقدَ أو يظنّ أنّ ثمة صوابا في التفسير يُحجب عن سلف هذه الأمة لأنه لا يجوز أنْ نقول أو نظن أنّ كلمة من القرآن جهلها الصحابة وأدركها من بعدهم، فسرها الصحابة بتفسير ويأتي المتأخر فيفسرها بتفسير مضاد له ويكون الصواب مع المتأخر هذا قطعا ممتنع‏.‏

ولهذا نقول في أساسيات قراءة كتب التفسير أنْ تبدأ بقرأءة التفسير بالمأثور، قبل التفسير بالرأي، أنْ تطالع آثار السلف في الآية، قبل أنْ تنظر في اجتهادات المتأخرين التي تكون مبنية على العلوم المختلفة، النحو ومفردات اللغة وأصول الفقه إلى غير ذلك‏.‏‏.‏‏.‏ كتب التفسير بالأثر متدرجة، عندك صحيفة علي بن أبي طلحة التي ذكرنا مهمة انْ تقرأ تفسيرها أول ما تقرأ ثم تفسير عبد الرزاق وهو مطبوع في أجزاء قليلة، ثم تفسير ابن جرير، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير إلى آخره، هذه مدرسة التفسير بالأثر ثم مدرسة التفسير بالرّأي يعني بالاجتهاد والاستنباط، وأكثرهم استخدموا علوم الآلة يعني اللغة والمفردات في التفسير هذه وهذه فإذا ضبطت أقوال المفسرين ومشيت ومعها خَطوة فخطوة، ترجع إلى التفسير بالرأي ـ لا بأس ـ يكون عندك منهجية صحيحة تدرك بها الصواب من غيره في التفسير‏.‏

العقيدة كيف تُقرأ كتب الاعتقاد‏؟‏ العقيدة في الأصل واضحة هي بيان أركان الإيمان، ‏{‏آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 285‏]‏، فالإيمان بأركان الإيمان الستة سهل واضح تقبله الفطرة، لكن لما شاع الخلل في ذلك، ألّف أهل العلم كتبا في الاعتقاد، وهذه الكتب عند السلف على قسمين منها‏:‏

كتب أوردت الاعتقاد إيرادًا إجماليًا، ومنها كتب فصلت كل مسألة من مسائل الاعتقاد، فألف في الإيمان وحده عدة مؤلفات، أُلِّفَ في القدر وحده عدة مؤلفات، ألّف في الكتاب -يعني في القرآن- عدة مؤلفات، وهكذا فإذًا كتب الاعتقاد، منها ما عرضت فيه العقيدة بعامة، ومنها ما عرض فيه موضوع من موضوعات العقيدة طبعا يمشي معك ما ذكرناه أولا من التدرج بقراءة المختصر ثم المتوسط ثم المطول من الكتب وهذا ذكرناه في محاضرة بعنوان‏:‏ ‏(‏المنهجية في طلب العلم‏)‏، يمكن أنْ ترجع إليها بتفصيل إذا سرت في فهم مختصرات العقيدة، فهل هذه هي النهاية‏؟‏

بعض طلبة العلم يرى أنّ الأكثر فائدة أنْ يقرأ في الكتب المطولة في العقيدة، يقرأ مباشرة في فتاوى شيخ الإسلام، يقرأ مباشرة في في ‏(‏الإيمان‏)‏ لابن منده، يقرأ مباشرة في كتاب ‏(‏التوحيد‏)‏ لابن منده، مثلا أو الكتب المتقدمة أو في ‏(‏الشريعة‏)‏ للآجري أو في كتاب اللالكائي، وهكذا، وهذه الكتب لا شك أنّها أصلت مذاهب السلف لكن مذاهب السلف وأقوالُهم تفرقت بحيث إنّ المؤلفين الأقدمين لم يجعلوها متواليةً في انضباطٍ تأليفي واضح في مؤلفاتهم القديمة، فأتى المتأخرون من أهل العلم والسنة، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة، وغيرهما، أتوا فلخصوا هذه العقائد في كتب مختصرة ومتوسطة لابدّ لفهم كلام السلف من فهم هذه الكتب، فإذًا الطريق إلى فهم المطولات، أنْ تفهم مختصرات الاعتقاد، مثل ‏(‏الواسطية‏)‏ لشيخ الإسلام و‏(‏الحموية‏)‏ و‏(‏لمعة الاعتقاد‏)‏ لابن قدامة وهكذا في كتبٍ كثيرة مختلفة إذا ضبطت الكتب هذه، يمكن أنْ ترجع إلى الكتب المتقدمة على ثلاث مراتب‏:‏